
البداية: عندما يتحوّل الفضول إلى مشروع حياة
لم يكن الدكتور محمد أنور يسعى لأن يكون رجل أعمال، ولم تكن صناعة المكملات الغذائية هي الهدف منذ البداية. بل بدأ كل شيء من فضول علمي وطبي لمعرفة كيف تعمل المكملات، وما الفرق الحقيقي بين الجيد منها والرديء، بين ما هو آمن وفعال، وما هو مجرد منتج استهلاكي تجاري.
هذا الفضول، قاده تدريجيًا إلى عالم تصنيع المكملات. وفي ظل كثرة المنتجات المستوردة، وضع نصب عينيه فكرة جريئة:
“لماذا لا نصنّع هذه المنتجات محليًا، بجودة تضاهي المستورد، وربما أفضل؟”
في قلب السوق: احتكاك مباشر بالواقع لا الكتب
عمل د. محمد لفترة طويلة في المبيعات الطبية والتسويق الدوائي، وكان ذلك من أكبر عوامل نضج رؤيته. فهو لم يكن يرى السوق من خلف المكاتب أو الشاشات، بل كان ينزل إلى الصيدليات، يتحدث مع الأطباء، يسمع من العملاء، ويرى ردود الفعل لحظة بلحظة.
وهذا ما جعل رؤيته للمكملات مختلفة:
“المكمل مش تركيبة وبس. المكمل علاقة بينك وبين الطبيب والصيدلي والمستهلك. كل طرف فيهم لازم يثق فيك، وإلا مش هتكمل.”
نقطة التحول: من موظف إلى صاحب مصنع
حين قرر تأسيس مصنعه الخاص، لم يكن يمتلك رأس مال ضخم، ولا مستثمرين كبار خلفه. بل بدأ صغيرًا، لكنه بدأ بصدق كامل ورغبة حقيقية في تقديم منتج نظيف.
بدأ في 2018 بترخيص مصنع بسيط لتصنيع الأغذية الصحية والمكملات. واجه صعوبات في التمويل، التراخيص، وبناء الفريق. لكنه كان على قناعة دائمة أن النجاح الحقيقي لا يأتي بالسرعة، بل بالثبات.
الصناعة عن قرب: بين المعايير والرسالة
من أول يوم، قرر أن يكون كل منتج يخرج من “أورجانكس” قائم على معايير جودة عالية. لكن التحدي الحقيقي لم يكن فقط في الحصول على الخامات الجيدة أو تصنيع التركيبات الدقيقة. بل في بناء ثقة السوق.
وكانت هذه فلسفة د. محمد:
“فيه فرق كبير بين أنك تصنع منتج، وأنك تبني قيمة. والقيمة هي اللي بتخلي الناس ترجعلك تاني، مش التسويق.”
ولذلك، لم يندفع خلف “التريندات” السائدة. لم يصنع منتجًا لأن الآخرين يصنعونه. بل صنع فقط ما رأى فيه فائدة حقيقية، يمكنه الوقوف وراءه طبيًا وأخلاقيًا.
أورجانكس.. فريق لا منتج
نجاح “أورجانكس” لم يكن نجاح د. محمد وحده. بل كان نتاج عمل جماعي بين فريق من الأطباء والصيادلة وأخصائيي التغذية الذين آمنوا بالرؤية. وكانت علاقته بالصيدليات والأطباء قائمة على التعاون لا التنافس.
“أنا مش جاي آخد مكان الطبيب أو الصيدلي. أنا جاي أساعدهم يخدموا مريضهم بشكل أفضل. والمنتج هو مجرد وسيلة.”
سوق المكملات: ما بين العشوائية والأمل
يرى د. محمد أن سوق المكملات في مصر سوق ضخم، لكنه يعاني من فوضى في العرض، وضعف في التوعية. فالكثير من المنتجات الموجودة غير مرخصة، أو لا تستند إلى دراسات علمية حقيقية، وبعضها يتم تسويقه بشكل مضلل.
وكان يرى أن دوره ليس فقط في “صناعة منتج”، بل في تصحيح المفاهيم، وتقديم وعي مختلف.
الثقة أولًا.. ثم أي شيء
من أهم المبادئ التي حرص د. محمد على غرسها في كل تفصيلة داخل أورجانكس:
“الثقة لا تُشترى.. بل تُبنى.”
سواء في اختيار الخامات، أو طباعة الملصق، أو الإعلان، أو حتى الرد على استفسارات العملاء – كل شيء كان يجب أن يُبنى على الصدق.
ولذلك، لم تكن حملة تسويقية قوية كافية لإقناع الناس. بل كان المنتج نفسه هو الحملة، وكان الفريق الطبي هو الوسيط.
المعاملات لا الشعارات
يتحدث د. محمد أنور كثيرًا عن “النية” داخل العمل. فكان يرى أن النية الطيبة، حتى في الصناعة، تُثمر، وتُترجم إلى سلوك:
-
نية أن تصدق مع عميلك
-
نية أن تراعي صحته فعلًا
-
نية أن تُراعي ضميرك في كل عبوة تخرج من المصنع
وكان يقول:
“النية بتبان في التفاصيل.. في التغليف، في جودة الطباعة، في الاستجابة السريعة للاستفسارات. الناس بتحس.”
ليس كل منتج يُباع يستحق أن يُصنع
كان من اللافت أن أورجانكس لم تنتج بعض المنتجات الشائعة رغم أن مبيعاتها كانت ستكون عالية. وكان السبب في ذلك أن بعض التركيبات لم تكن فعالة كفاية، أو كان فيها مبالغة في الترويج، أو غير مناسبة للفئة المستهدفة.
وهذا ما ميّز أورجانكس:
منتجات مبنية على “احتياج حقيقي”، مش “فرصة رائجة”.
خاتمة: من أرض الواقع إلى بناء المستقبل
في نهاية الحديث، يمكن القول إن قصة “أورجانكس” ليست فقط عن صناعة المكملات، بل عن صناعة نموذج.
نموذج لشاب مصري آمن أن بإمكانه أن يبني مصنعًا نظيفًا، منتجًا نافعًا، وعلامة تُحترم.
ولذلك، كانت القصة كلها، من البداية للنهاية، تدور حول ثلاث كلمات:
“صدق، شراكة، استمرارية.”
دروس من القصة:
-
ابدأ صغيرًا ولكن بوضوح: الفكرة القوية لا تحتاج إمكانيات ضخمة، بل تحتاج وعي وتخطيط.
-
السوق لا يرحم، لكنه يُكافئ من يخلص: المصداقية على المدى البعيد أقوى من أي دعاية.
-
ابنِ فريقًا قبل أن تبني منتجًا: النجاح لا يتحقق بمفردك.
-
لا تتبع التريند.. افهم الاحتياج: المنتج الناجح هو ما يحل مشكلة حقيقية.