روّاد الصناعة

هكذا تبنى الشركات الناجحة: قصص حية من التطوير والتوظيف والقيادة

تحليل قصصي واقعي لتجارب حقيقية في التعليم والتطوير وإدارة المواهب ومواجهة التحديات في أسواقنا العربية.


مقدمة:

في أولى حلقات برنامج “أرض الواقع” الذي يقدمه الدكتور عبدالرحمن باز، كان الضيف هو الخبير العربي البارز في مجال التعليم والتطوير والموارد البشرية: الدكتور ألبير رمزي. شغل مناصب قيادية رفيعة في عدد من أكبر شركات الصيدلة والرعاية الصحية في المنطقة.

لكن ما يميّز هذا اللقاء ليس فقط مكانة الضيف، بل الطريقة التي تم فيها سرد الخبرة وتحليلها والغوص في جذور القرارات اليومية في العمل وتأثيرها وما وراءها من قيم وفلسفات.


من صيدلي إلى قائد في التعليم والتطوير: رحلة غير تقليدية

بدأ الدكتور ألبير رحلته كصيدلي، شأنه شأن كثيرين من أبناء تخصصه. لكن نقطة التحول الأولى كانت حين لاحظ أحد مديريه قدرته الفريدة على الشرح والتواصل أثناء تقديمه عرضًا تقديميًا لأحد الأدوية. قال له المدير حينها: “أنت لا تبيع منتجًا، أنت تعلّم الناس… هل فكرت في العمل في مجال التدريب؟”

كانت هذه الجملة بمثابة “اللمبة التي أضاءت” في ذهن د. ألبير، فانطلق باحثًا عن الفرصة التي تمكّنه من ممارسة هذه الموهبة المكتشفة. وبالفعل، دخل مجال التدريب، ثم أصبح مديرًا للتدريب، وتدرج حتى أصبح مسؤولًا عن تطوير الموارد البشرية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

رحلته كانت مليئة بالمحطات التي لم يصنعها وحده، بل شاركه فيها آخرون قدّموا له فرصًا أو فتحوا أمامه أبوابًا. لكنه دائمًا كان مستعدًا لخوض التجربة، مهما بدت مختلفة أو غير مألوفة.


كيف نكتشف أنفسنا؟ 3 طرق حقيقية من أرض الواقع

طرح الدكتور عبدالرحمن سؤالًا جوهريًا: “هل ننتظر من يكتشفنا، أم نكتشف أنفسنا؟”

رد الدكتور ألبير أن هناك ثلاثة مسارات أساسية تساعد أي شخص على اكتشاف قدراته:

  1. التجربة: أن تدخل في تجارب جديدة وغير مألوفة لتكتشف ذاتك من خلالها.
  2. التغذية الراجعة: أن تستمع إلى من يلاحظونك ويعطونك ملاحظات صادقة.
  3. التأمل والتحليل الذاتي: أن تقف مع نفسك وتراجع قدراتك ومشاعرك تجاه ما تقوم به.

لكن أهم ما في الأمر أن تكون مستعدًا لتقبّل الرأي الآخر والعمل عليه. كثيرون يسمعون ولا يتحركون. الفرق الحقيقي يحدث حين تستثمر ما تسمعه.


الحقيقة غير المريحة: التدريب ليس للجميع

أحيانًا، يعتقد البعض أن بإمكانهم أن يكونوا مدربين لمجرد أنهم يعرفون المعلومة. لكن كما يقول د. ألبير: “الترينينج مهنة شاقة. فيها ضغوط، وفيها تعب، ومطلوب منك تكون حاضر دايمًا حتى لو فيه ظرف طارئ.”

روى موقفًا مؤثرًا حدث له أثناء تقديم تدريب، حين وصله خبر وفاة قريبة له وكان مسؤولًا عن دفنها. ورغم حزنه، أكمل التدريب لأن المشاركين كانوا قد سافروا من محافظات بعيدة. يوضح هذا الموقف حجم الالتزام المطلوب.

كما شارك قصة شاب أظهر أداءً رائعًا في المقابلة، لكنه أصيب بنوبة هلع أثناء تقديم أول تدريب حقيقي. هذا يوضح أن الشغف لا يكفي، فالميدان يختبرنا بطرق مختلفة.


دروس من المواجهات الصعبة: عندما تُحاسب على نتائج لم تُتفق عليها

واحدة من أقوى الدروس التي تعلمها الدكتور ألبير كانت من مدير رفض إرسال فريقه إلى تدريب على مهارات البيع، بحجة أن الموظفين لم يظهر عليهم أي تحسن.

لكن عندما تحاور معه، اكتشف أن التوقعات لم تكن واضحة: المدير كان يتوقع أن المتدرب بعد الترينينج سيزيد عدد زياراته اليومية! بينما كان هدف التدريب هو تحسين جودة الزيارة.

من هنا، تعلم د. ألبير أهمية تحديد المخرجات المتوقعة (Expected Outcomes) مع أصحاب المصلحة قبل أي تدريب، وتحويلها إلى ما يشبه العقد (Training Contract). وهذه الممارسة أصبحت قاعدة أساسية في عمله بعد ذلك.


قرارات صعبة: التوظيف ليس مهارة، بل مسؤولية استراتيجية

شارك الدكتور ألبير تجربة دقيقة في تعيين مجموعة من العمال للسفر للعمل في فرع خارجي للشركة. رغم صعوبة الوصول إليهم، وبعد عملية فلترة طويلة، اكتشف أن بعضهم يتصرفون بطريقة غير أخلاقية (مثل تسجيل المكالمات أو نشر معلومات سرية).

رغم أنهم اجتازوا جميع مراحل الاختيار، قرر سحب عروض العمل منهم، لأن ثقافتهم لا تتماشى مع قيم الشركة. وقد تكفل بتعويضهم عن أي مصاريف تكبدوها.

الدرس هنا أن التوظيف ليس فقط عن المؤهلات، بل عن الأخلاق والاتساق الثقافي.


التسريح: القرار الأصعب… لكن لا بديل عن الأخلاق

تحدث د. ألبير عن نوعين من التسريح:

  1. تسريح بسبب السلوك غير المقبول: مثل الكذب، أو السرقة، أو تقديم تقارير مزورة. هذه الأمور لا تحتمل التساهل، لأنها تقوّض الثقة وتسمم ثقافة الفريق.
  2. تسريح بسبب تحديات مالية أو إعادة هيكلة: هنا تكمن الصعوبة الأكبر، لأنه قرار يُتخذ غالبًا للحفاظ على الشركة نفسها.

لكن الأهم من القرار هو “طريقة اتخاذه”. فقد رأى ممارسات مؤسفة: مثل مفاجأة الموظف بقرار التسريح دون إنذار، أو إجباره على توقيع استقالة مسبقة، أو طرده قبل الأعياد. في المقابل، يرى أن الشركات المحترفة تدير هذا الملف بحكمة، وشفافية، وتحترم إنسانية العامل.


النيجاتيف أتيتيود: حين تتحول الشخصية إلى معوّق إنتاجي

تناول الحوار الفرق بين الشخص الذي لديه سلوك سلبي دائم، وبين الشخص الذي يمر بظرف مؤقت. فالأول يُجمع عليه الجميع، تجده يشتكي باستمرار، يشيع الإحباط، ويرفض الاعتراف بأخطائه. أما الثاني، فهو إنسان طبيعي يمر بأيام جيدة وأخرى سيئة.

وهنا جاءت أهمية أداة مثل “360 Feedback”، والتي تجمع آراء الزملاء والرؤساء والمرؤوسين لتكوين صورة حقيقية.

المثير أن أحد المدراء طلب فصل موظف بدعوى أنه سلبي، لكن بالتحقيق تبيّن أن الموظف كان فقط يعبّر عن رأيه بطريقة لا تُعجب المدير. النتيجة؟ جلسات توعية للمديرين عن أهمية الاختلاف واحترام وجهات النظر.


الناس قبل المنتج: ترتيب الأولويات في المثلث الذهبي

في نهاية اللقاء، طُرح سؤال حول الترتيب المثالي لأركان العمل الثلاثة: المنتج، الناس، التنظيم.

رأى د. ألبير أن التنظيم يأتي أولًا لأنه الإطار الذي يجمع الجميع. أما د. عبدالرحمن، فرأى أن الناس هم العنصر الأهم، لأنهم من يصنعون المنتج ويقودون التنظيم.

واتفق الاثنان على أن النجاح لا يتحقق إلا حين يتكامل الثلاثة بتناغم، ولكن تبقى القاعدة الذهبية:

ضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وامنحه البيئة المناسبة… وستحصل على نتائج استثنائية.


ختامًا:

هذه الحلقة لم تكن مجرد حوار، بل رحلة في عمق تجارب العمل الواقعي، بأفراحه وتحدياته، بلحظاته الحاسمة وقراراته الصعبة. إنها دعوة لكل صاحب قرار، ولكل موظف، ولكل مهتم بمجال تطوير الأفراد والمنظمات أن ينظر إلى الواقع بعين ناقدة، وبقلب إنساني.

ومن أرض الواقع… كانت هذه قصتنا.

ريبسولوجي - Healthcare Business Media - منصة إعلامية لمؤسسات وأفراد الرعاية الصحية: نروي قصص الأعمال، نركز على رحلة الأشخاص والمنتجات، نكشف ما وراء الخبر، ونحلل تجارب السوق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock