في قلب الصناعة: رحلة د. محمد صبحي من معمل الصيدلية إلى الريادة الصناعية

من أرض الواقع، ومن قلب التجربة، نأخذكم اليوم إلى حوار فريد ضمن سلسلة حلقات “أرض الواقع“، برعاية GrowTwoPro وبتقديم د. عبد الرحمن باز، على منصة Repsology.org، حيث نستضيف أحد رواد الصناعة في مجال الكوزمو سويتيكال في مصر والعالم العربي. إنه د. محمد صبحي، صاحب مسيرة تمتد لأكثر من 25 عامًا من الكفاح والتجريب والإبداع.

في هذا الحوار الملهم، لا نتحدث عن قصة نجاح تقليدية، بل عن منهج حياة، عن شغف تحوّل إلى رؤية، ورؤية تحوّلت إلى مصانع، ومنتجات، وفرص تصدير. حديثنا هنا عن الإنسان قبل المنتج، عن القيم قبل الأرقام. هذه ليست مجرد مقابلة، بل سرد حي لتاريخ صناعة، وتجربة فريدة لرجل آمن دومًا أن “لا شيء أغلى من الإنسان”.

1. البداية: من شاب في معمل إلى رائد في سوق الكوزمو سويتيكال

د. محمد صبحي، خريج كلية الصيدلة – طنطا 1993، بدأ مسيرته المهنية بصيدلية واحدة، ثم اثنتين، فثلاث. لم يكن يتوقع حينها أن يتحوّل شغفه بالتجريب الكيميائي إلى نواة لصناعة كاملة.

خلال تجربته في الصيدليات، بدأ د. محمد في إعداد تركيبات بسيطة، بعضها لنفسه، وبعضها لأصدقائه. لم يكن الدافع حينها تجاريًا بقدر ما كان شغفًا بالمجال. إلا أن الطلب بدأ يتزايد تدريجيًا، ليكتشف أن الصيدلية – كمكان – لا تفي بالغرض، وأن عليه التوسّع.

سافر كثيرًا بين بلدته والقاهرة، خاصة إلى شارع الجيش والموسكي وضرب البرابرة، حيث يجتمع تجار ومورّدو الخامات. هناك، تعلّم على يد ما يسميهم “الأسطوات”، ممارسي المهنة الحقيقيين، وفهم أكثر عن الفجوة بين الدراسة الأكاديمية والتطبيق العملي.

2. التجربة الأولى: تراكم الخبرات والبحث عن الطريق

منذ 1996 وحتى 2002، خاض د. محمد تجارب متعددة، يصفها بالتجريبية وغير الناضجة، لكنها كانت حجر الأساس. من إنتاج شامبوهات وكريمات وزيوت في الصيدلية إلى محاولات التصنيع لدى الغير، بدأ يُدرك متطلبات الصناعة.

هذه السنوات منحته الثقة، وعلّمته قوانين السوق، وأهمية التسويق، والعلاقات، وتكوين فريق. كما بدأ في أخذ كورسات في التسويق وإدارة الأعمال والأزمات، ليكتشف بنفسه أن النجاح ليس مجرد تركيبة ناجحة، بل منظومة.

3. ميلاد شركة ماكرو: حين يتحوّل الحلم إلى مؤسسة

في أواخر 2002، وبالشراكة مع د. أحمد نايب، أُطلقت شركة “ماكرو”. في بداياتها، كانت تصنع لدى الغير، وتُركّز على بناء فريق تسويق وبحث علمي. د. محمد كان مهووسًا بالابتكار، وبدأ التعاون مع أساتذة من كليات الصيدلة والمركز القومي للبحوث.

أطلقوا منتجات مبتكرة، منها أول منتج لعلاج آثار الجروح والندبات (Anti-Scar) ككوزموتيك، وليس دواء أو جهاز طبي. كذلك أطلقوا منتجات موجهة لحالات مثل حمو النيل، لدغات الحشرات، حروق الشمس، بحلول تجميلية ذات طابع علاجي.

التمسك بالعلم والابتكار لم يكن خيارًا، بل ضرورة في سوق لم تكن ملامحه واضحة بعد.

4. من الحلم إلى المصنع: التوسع وبناء القاعدة الصناعية

في 2006، اتخذ د. محمد القرار الصعب بإنشاء مصنع خاص، ليواكب النمو المتزايد. وبحلول 2010، تم الانتهاء من المصنع.

هذا الانتقال كان نقلة نوعية، ليس فقط في الإنتاج، بل في التفكير. أصبح التحكم في الجودة والمرونة في التصنيع وتوسيع البورتفوليو ممكنا.

المرحلة هذه أظهرت أن المنتج الجيد، وحده لا يكفي، بل يجب دعمه بمنظومة تسويق قوية، وإدارة مالية وتنظيمية محكمة، واستثمار في الإنسان.

5. بيع الحصة والاستحواذ: مرحلة النضج المؤسسي

مع النجاح، جاء الاهتمام من المستثمرين. بحلول 2017، تمت صفقة استحواذ على شركة ماكرو من قبل مستثمر أجنبي. رغم أن د. محمد لم يكن يسعى لذلك، فإن التجربة جاءت كاعتراف بجودة ما بُني.

يؤمن د. محمد أن الاستحواذ ليس نهاية، بل بداية جديدة، وأن المشاريع القوية تجذب رأس المال. لكنه يشدّد على أن المستثمر يبحث عن مشروع ناجح بالفعل، لا مجرد فكرة.

6. شيرا فارما: النسخة الأكثر نضجًا من الحلم

في 2020، ومع تراكم الخبرة والرؤية، أطلق د. محمد مشروعه الجديد: مصنع “شيرا فارما”. التأسيس بدأ في وقت صعب، أثناء جائحة كورونا، وتبعها أزمات اقتصادية وتعويم للعملة. لكن التصميم والرؤية كانا أقوى من العوائق.

تم بناء المصنع بأعلى المعايير – سواء في البنية التحتية، أو التشطيبات، أو التجهيزات التكنولوجية، خاصة معامل الميكروبيولوجي، وأنظمة التهوية المتقدمة. الرؤية كانت واضحة: أن يكون المكان صرحًا صناعيًا يُقدّر الإنسان ويخدم الصناعة.

7. الإنسان قبل المنتج: فلسفة د. محمد صبحي

“الإنسان هو الاستثمار الأغلى” – ليس مجرد شعار، بل فلسفة إدارية كاملة. كل فرد في شيرا فارما يتم تأهيله، تدريبه، تمكينه. لا يُبنى النظام على أشخاص عابرين، بل على كفاءات تتحمل المسؤولية وتنمو مع المؤسسة.

حتى عند الحاجة إلى التوسّع، تُفضل الشركة ترقية الكفاءات الداخلية قبل الاستعانة من الخارج. الإنسان هو مَن يصنع المنتج، ويصنع المؤسسة.

8. التصدير والتوسع الخارجي: آفاق لا حدود لها

شيرا فارما لم تُبنَ فقط للسوق المحلي، بل بعين على التصدير منذ اليوم الأول. تم تسجيل المنتجات في العديد من الدول العربية: الإمارات، السعودية، العراق، الأردن، ليبيا، المغرب، وغيرها.

كما توفر الشركة خدمات تصنيع للغير، بداية من تطوير الفكرة، مرورًا بالفورموليشن، وحتى التسويق والتصدير، من خلال البنية التحتية المصممة لذلك.

9. مواجهة السوق غير المنظم: لا يصح إلا الصحيح

في السوق، هناك من يعمل تحت مظلة القانون، وآخرون يصنعون دون ترخيص، ويبيعون منتجات غير مسجلة. د. محمد يرى أن هذه ليست منافسة، بل تهديد للصحة العامة.

الحل ليس في منع الناس من دخول السوق، بل في تسهيل الطرق القانونية، وتقديم خدمات متكاملة كما تفعل شيرا فارما، وتفعيل دور الدولة في الرقابة والتفتيش.

10. رؤية تسويقية جديدة: من البراند إلى المحتوى

بعكس التجارب السابقة، تعتمد شيرا فارما الآن على بناء الهوية المؤسسية، من خلال محتوى تعليمي، تدوينات، فيديوهات، لقاءات، وحضور رقمي قوي.

الهدف: نشر المعرفة، مشاركة التجربة، وإظهار الجوانب المخفية من صناعة ضخمة.

11. نصيحة ذهبية لرواد الأعمال:

في نهاية الحوار، يقول د. محمد:

“ابدأ من حيث أنت. ركّز على العلم، واستعن بالخبراء، وابتكر دائمًا. لا تتسرع في طلب الاستثمار قبل أن يكون لديك مشروع حقيقي. خض التجربة، حتى لو بدائرة صغيرة، وستكبر تدريجيًا.”

خاتمة:

ما قدمه د. محمد صبحي في هذا الحوار، ليس مجرد قصة نجاح، بل خريطة طريق لصناع الأمل في قطاع الكوزمو سويتيكال. في كل مرحلة درس، وفي كل قرار فلسفة، وفي كل منتج توقيع إنسان.

من أرض الواقع إلى صرح شيرا فارما، تتجلى المعادلة الحقيقية للصناعة: إنسان + علم + رؤية + ابتكار = منتج يستحق المنافسة محليًا وعالميًا.

وهكذا، نغلق هذه الحلقة من “أرض الواقع”، على وعد بلقاءات أخرى… لأن خلف كل منتج ناجح، إنسان آمن بنفسه، وآمن ببلده.